فكر المسيح



الفكرة: دعوة لنفكّر مثلما يفكّر المسيح

الوقت:  30 دقيقة

المقطع الكتابي:  فيلبي 2: 5 - 11

تنويه (تأليف): يوئيل طربيه (youeeltarabay@gmail.com)

 

القراءة:

فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.

لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ.

 

المقدّمة

من أهم المقاطع على الاطلاق...

فهو يختصر الانجيل والتاريخ وزمن الوجود

ويأخذنا من الازل – قبل أن يخلي المسيح نفسه... فهو مع الاب - الى الآن أي الوقت الحالي -تجسد المسيح في عالمنا - ثمّ إلى الأبد – آنذاك سيعترف كل لسان... وقت المجيء الثاني والدينونة.

يبدأ من عند الآب ثم الابن والعلاقة بينهما

يخبرنا هذا المقطع عن أعظم عمل وهو الفداء ... عمل الصليب

يرينا صفات المسيح المجيدة والرفيعة ... التواضع... والاتضاع واخلاء الذات حتى التضحية... والطاعة.

ويحثّنا على التمثّل بالمسيح: بالطاعة والتواضع

يحثنا أن نفكّر بعمق... ليس فقط أن نتمثّل بالمسيح بل أن يكون لنا فكره.

 

الفكر الأول: التواضع

للمسيح طبيعتين

·        طبيعة إلهية موصوفة في عدد 6 ... فِي صُورَةِ اللهِ... مُعَادِلا ِللهِ

·        طبيعة بشرية موصوفة في عدد 7 ... صُورَةَ عَبْدٍ... فِي شِبْهِ النَّاسِ

هذا الذي قال الكتاب عنه

·        الطبيعة الإلهية طبيعة الله: في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. يوحنا 1: 1

·        الطبيعة البشرية طبيعة كاملة ومجيدة: والكلمة صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده، مجدا كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا. يوحنا 1: 14

 

لذلك لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله

عندما قال المسيح أنه هو الله 'أنا والآب واحد' يوحنا ۱۰: ۳۰   و' الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟ ' وأيضًا 'الذي يَرَاني يرى الذي أَرسَلني. يوحنا ۱۲: ٤٥، لم يكن هذا الكلام اختلاس... سرقة أو إدّعاء... بل كان هذا حقّه... هذا له ومركزه.

كلمة اختلاس بالمعترف فيه (بالعاميّة) تعني نصب، سرقة، تزوير، واحتيال.

لكن هناك فرق جوهري بين الاختلاس والسرقة:

السرقة هي أخذ مال الغير بغير علمهم أو موافقتهم. أمّا الاختلاس هو استيلاء المكلَّف بإدارة المال على المال لمصلحته الخاصة. الاختلاس يعني اغتنام أو سطو واستغلال

لم يعتبر الرب يسوع نفسه مساواته للآب وكأنه لم يمتلكها بالفعل، أو كان خائفًا من فقدانها.

فإذا اعتبرنا هذا السيناريو من هذا النص:

أن المسيح جاء الى العالم ... ارسلني الآب... وأعطاه سلطانًا... صنع قوات وعجائب ... وفجأة قرّر يسوع أن يقول عن نفسه أنه مساوٍ لله... خاف يسوع أن يخسر مركزه فادّعى الالوهية...

هذا السيناريو لمن لم يفهم النص.

 

سأعيد تركيب المشهد... السيناريو كالتالي:

يسوع الذي هو ابن الله ومساوٍ للآب ومعادلاً له... في صورة الله... ذات طبيعة الله... الابن مثل الآب أزلي سرمدي ... في البدء كان موجودًا... عند الآب ومع الآب... قبل الخلق واثناء الخلق... 'به كان كل شيء'... هو يعرف كل شيء عنّا... سقوطنا... ترك السماء وجاء الى عالمنا ... ما زال هو الله وما زال مساوٍ للآب في الجوهر والطبيعة... وفي فترة تجسد الله صار عبدًا... لبس جسد... أخذ شكلنا... أخذ طبيعتنا... 'مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية.' عبرانيين 4: 15

وأطاع مشيئة الآب «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». لوقا ۲۲: ٤۲ وأطاع حتى الموت ... مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به.  وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ، سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ... عبرانيين 5: 8 و 9

   

نحن نختلس عندما نقدّم للناس بشرًا وكأن لهم الصفات الإلهية ...

كل شخص ينتحل دور الرب... في أمور الصلاة والشفاعة والغفران... هو مختلس

كل القديسين الذين يصلون لهم الناس ويطلبون شفاعتهم ووساطتهم... نحن بهذا نختلس الرب

هذه خلسة: «فبمن تشبهون الله وأيَّ شبه تعادلون بهِ. فبمن تشبهونني فأساويهُ يقول القدوس» إشعياء 18:40، 25

 

الفكر الثاني: الطاعة

طاعة المسيح صارت لنا سبب خلاص لأنه أكمل عمل الفداء... موت الصليب... 'حتى المنتهى'

الابن أطاع الآب بتأمين الخلاص للبشر...

وَالَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ». يوحنا ۸: ۲۹   

مع أن الآب أرسل الابن... لكن الابن لم يتخلَّ بل أخلى ولم يتنازل عن حقّه بل نزل من سمائه.

يتخلّى تعني: تنازل عن الشيء... أخلى تعني: أفرغ

فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ. فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ. إشعياء ٥۹: ۱٦   

فعل ذلك... لأن الخطّة موضوعة من زمان... من قبل تأسيس العالم... وبدأ تنفيذها عند السقوط.

 

الطاعة كانت باهظة. إقرأ اشعياء 51

لَا صُورَةَ لَهُ وَلَا جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلَا مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.

لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ ٱللهِ وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لِأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لِأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.

كل هذا من أجلك... من أجلِكِ... لأنه هكذا أحبّنا... هكذا دعت الحاجة أن تكون التضحية بالابن.

 

تكلمنا عن فكر المسيح، فكر التواضع وفكر الطاعة

تكلمنا عمن كان المسيح... عن الازل... وماذا فعل... عن زمننا... والآن سنتكلم عن الابد ... عن الزمان الآتي.

رفّعه الله... مع وضع الشدّة على حرف الفاء... رفّعه

أي مجّده أمام البشر ورفع اسمه إلى أبعد الحدود، واستمر هذا الارتفاع إلى العلاء...

لنعِد قراءة النص:

لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تجثو بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ.

أي هو الوحيد ... وحده المجيد... واسمه يستحق السجود... هذا أعطاه الآب للابن...

عندما أوصى الرب شعبه انتبهوا لما قال:

لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إلهك إله غيور... خروج 20: 4 و5

الله لا يقبل لأحد أن يسجد لأحد غيره (لا في السماء ولا على الارض ولا تحت الارض) فهو غيور على مركزه والوههيّته.

لكن أعطى للمسيح لأنه هو الله الغيور الحق بالسجود ويومًا ما 'ستَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ (في السماء وعلى الارض و تحت الارض) وسيعترف كل لسان (في السماء وعلى الارض و تحت الارض)... ماذا يعترف؟

والمسيح قبِل السجود له أيام تجسّده... لانه الله المتجسد.

أمّا بولس وسيلا في أعمال الرسل 14: 8 – 18 فقد رفضا السجود لهما... وتقديم الذبائح لهما وعبادتهما... لأنهما أمناء ولا يسلبان الرب.

فلما سمع الرسولان، برنابا وبولس، مزقا ثيابهما، واندفعا إلى الجمع صارخين وقائلين: 'أيها الرجال، لماذا تفعلون هذا؟ نحن أيضا بشر تحت آلام مثلكم، نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها...'

 

حتى الملاك في سفر الرؤيا 19: 10 ورؤيا 22: 8 و9 لم يقبل السجود... لأنه ليس من حقّه:

وأنا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا. وحين سمعت ونظرت، خررت لأسجد أمام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا. فقال لي: «انظر لا تفعل! لأني عبد معك ومع إخوتك الأنبياء، والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب. اسجد لله!».

الآب يطلب من الكل السجود للرب يسوع لأنه الله ولأنه 'رب لمجد الله الآب'...

 

ويذكر اسم يسوع ثلاث مرّات:

وَأَعْطَاهُ اسْمًا ... بِاسْمِ يَسُوعَ ... وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ ... أَنَّ يسوع المسيح.

 

وتأتي كلمة 'كل' ثلاث مرّات:

والكل هنا يعني الكل: كل اسم، كل لسان  وكل ركبة.

'كل' تشمل الذين آمنوا وهم يسجدون حبًا وطوعًا، وأيضًا الذين لم يومنوا بالمسيح سيسجدون منحنين مجبرين. 

هذا امرٌ من الله مع وقف التنفيذ الى أن...

 

خاتمة

مع كل لاهوت المسيح وعظمته تواضع وأطاع... هذا فكرُه ويريدنا أن يكون فِكرُه فكرَنا.

إذا أصبح المسيح ربًا على حياتك فلا بدّ أن تشبهه في طاعتك.

وهذا هو السر أننا سنتمجّد معه

فإن كنا أولادا فإننا ورثة أيضا، ورثة الله ووارثون مع المسيح. إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه. رومية ۸: ۱۷   

 

قال ماثيو هنري، أحد كبار مفسّري الكتاب المقدّس:

'إذا حصلنا على منافع موت المسيح فلا بدّ من أن نتشبّه بحياته.'